- Stradom Journal
تتناول هذه الدِّراسَة تحليل واقع التَّحوّل الرقميّ والتَّخطيط الذَّكيّ للاقتصاد السُّوريّ، مركّزة على التَّحدّيات التي تميّز المرحلة الانتقاليَّة بعد عام 2024، ومستشرفةً آفاق تطبيق تجربة التحوّل الرقميّ على الاقتصاد السوريّ. ويأتي اختيار هذا الموضوع في ظلّ تنامي الدَّور المحوريّ للتكنولوجيا في إعادة هيكلة الاقتصادات الوطنيّة، خاصّة، في البيئات التي تمرّ في مرحلة ما بعد النِّزاعات، حيث تمثّل الرَّقمنة والتَّخطيط الذَّكيّ أدوات استراتيجيَّة لتعزيز الكفاءة المؤسّسيَّة، وتحسين تخصيص الموارد، ودعم اتّخاذ القرار القائم على البيانات.
واعتمدت الدِّراسَة على المنهج النَّوعيّ، باستخدام المقابلات المفتوحة شبه المهيكلة مع عيِّنة قصديَّة مكوّنة من عشرين خبيراً ومختصّاً في مجالات الاقتصاد، وتكنولوجيا المعلومات، والسِّياسَات العامّة، والإدارة. وجرى تحليل البيانات وفق منهجيَّة تحليل المحتوى النَّوعيّ، مع تطبيق التَّرميز المزدوج والتَّحقّق من صحّة المشاركين بِهدف ضمان مصداقيَّة الدِّراسة وموضوعيَّتها.
وأظهرت النَّتائج أنَّ التَّحوّل الرقميّ في سورية يواجه جملة من التَّحدّيات البنيويَّة والتَّنظيميَّة، أبرزها ضعف البنية التَّحتيَّة الرَّقميَّة، ونقص الكفاءات المؤهّلة لتوظيف أدوات التَّحليل التَّنبّؤيّ وتقنيَّات التَّعلّم الآليّ، وقصور الإطار التَّشريعيّ عن مواكبة متطلّبات الاقتصاد الرقميّ، بالإضافة إلى التَّباين الكبير في جاهزيَّة المؤسَّسات الحكوميّة تبعاً لحجمها ومواردها، وأظهرت النَّتائج أيضاً أن هناك فجوة بين الرؤى الاستراتيجيَّة المعلنة والتَّطبيق العمليّ، ممَّا يبطّئ من وتيرة تنفيذ المشاريع الرَّقميَّة.
ولكن رغم هذه التَّحدّيات، أبرزت الدِّراسَة عدداً من الفرص الواعدَّة، أهمّها: إمكانيَّة الاستفادة من التَّجارب الدوليَّة القابلة للتكييف مع الواقع السُّوري في المرحلة محلّ الدِّراسة، واعتماد استراتيجيّات تدريجيَّة تبدأ بتطوير البنية التَّحتيَّة، وتعزيز البيئة التَّشريعيَّة، وتوسيع الشَّراكات بين القطاعين العامّ والخاصّ، والاستفادة من دعم المانحين والمنظَّمات الدوليَّة. وتمّ تحديد أولويَّات عمليَّة لخارطة طريق على مدى السَّنوات الثَّلاث المقبلة، تشمل: تأسيس مراكز وطنيّة لتحليل البيانات، وإطلاق منصَّات وخدمات رقميَّة حكوميّة، وتعزيز الأمن السِّيبرانيّ، وتنمية الكفاءات الرَّقميَّة المحليّة.
وتخلص الدِّراسَة إلى أنَّ نجاح مسار التَّحوّل الرقميّ، والتَّخطيط الذَّكيّ في سورية يتطلّب تبنّي مقاربة شاملة ومتدرّجة، تراعي خصوصيَّة السِّياق المحليّ، وتدمج بين التِّكنولوجيا والإصلاح المؤسّسيّ، بما يعزّز القدرة التَّنافسيَّة للاقتصاد الوطنيّ، ويسهم في تحقيق التَّنمية المستدامة.